قصة القروى الفصيح
من أدب قدماء المصريون – منقول من كتاب تاريخ وحضارة مصر القديمة للدكتور عبد الحليم نور الدين.
تعتبر هذه القصة من أشهر النماذج الأدبية التى خلفها لنا المصريون القدماء، وليس أدل على ذلك من إعجاب المصرى بهذه القصة من كثرة النسخ التى عثر عليها منها، والتى تبين مدى إنشارها على أمتداد أزمنة طويلة ٠
والقصة لا تحكى لنا أحداثا وقعت، وإنما قصد بها تمجيد البلاغة والفصاحة من قبل ملك مصر، الذى كان محبا للأدب، ولهذا حرص على رعاية الفلاح الذى تعرض لظلم أحد كبار موظفيه، وعندما تحقق الملك من قدرته البلاغية، أمر بإستبقائه أطول فترة ممكنة ليتقدم بأكبر عدد من الشكاوى بأسلوب بليغ.
وتخبرنا القصة بأن فلاحاً من وادى النطرون يدعى أخو- ان- أنوب”
كان متوجهاً إلى مدينة أهناسيا، ومعه حميره محملة بالغلال التى كان ينوى بيعها فى السوق، وبينما هو سائر فى الطريق، إعترضه شخص يدعى “جحوتى نخت” يعمل فى ضيعة أحد كبار الموظفين، وذلك بقصد سلبه ما معه، فعمل على سد الطريق أمام الفلاح الذى إضطر إلى الإنحراف بحميره ناحية حقل “جحوتى- نخت”، وفى أثناء ذلك ملأ أحد الحمير فمه بحزمة من الشعير، فتذرع جحوتى نخت بهذا السبب، وقام بالإستيلاء على الحمار من خو ان أنوب الذى حاول جاهدا إسترداد حقه، وأخذ يبكى ويناجى الإله، فما كان من جحوتى-تخت إلا أن نهره وإعتدى عليه بالضرب.
ولما يئس منه الفلاح توجه إلى صاحب الضيعة التى يعمل فيها جحوتى- نخت لعله ينصفه، فأعجب الأخير به وبفصاحته، وأبلغ قصته للملك قانلأ له “مولاى” عثرت على فلاح من هؤلاء الفلاحين، فصيح حقا، لقد إغتصب متاعه رجل فى خدمتى، وإنظر، لقد جاء يشكو إلى ذلك، فقال جلالته: إذا أردت أن ترينى فصاحته فإبقه هنا ولا تجبه إلى ما يطلب حتى يواصل كلامه، ثم مر بأقواله أن ترد إلينا مكتوبة لنسمعها، على أن توفر رزق زوجته وأولاده، وأن تسهر على إمداده بالطعام دون أن يعلم أنك أنت الذى دبرت ذلك..”
وظل الفلاح يشكو إلى أن وصلت شكواه إلى تسع، تميزت بأسلوبها الرقيق وبإحتوائها على العديد من المثل والأخلاقيات.
وإنتهت القصة بأن أنصف الملك الفلاح، فرد له حقه، وعاقب الموظف على ما إقترفت يداه.
فالقصة إذن تشير إلى رعاية الدولة لرعاياها وأنصاف المظلوم، ومثابرة الفلاح على المطالبة بحقوقه، فما كان الفلاح ليستطيع أن يشكو الموظف لولا تأكده من إنصاف الحاكم له. هذا بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من قبل عن تمجيد البلاغة والفصاحة.
0 تعليقات