عظمة محمد صلى الله عليه وسلّم

صور من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلّم

قبل أن نخوض في بعض مناحي عظمة الرسول لا بد أن نقول : إنّ مما يدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم : هو كثرة أسمائه وصفاته ، قال بعضهم : أعطاه اسمين من أسمائه : رؤوف ، رحيم .
قال الحسين بن الفضل : لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال عن نفسه (إنّ الله بالناس لرؤوف رحيم )الحج 65 وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة 128 .
وعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ .
عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : لَقِيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ ، وَأَنَا الْمُقَفَّى ، وَأَنَا الْحَاشِرُ ، وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ .

زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن حياته كانت نموذجًا عمليًّا لهذه النظرة الربَّانيَّة للدنيا، وهذه صور ونماذج من زهد رسول الله r، فقد وصف عمر بن الخطاب t بيت وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:… فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رُمَال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أَثَّرَ الرمالُ بجنبه، مُتَّكِئًا على وسادة من أَدَم حشوها ليفثم رفعتُ بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يَرُدُّ البصر غير أَهَبَة ثلاثة، فقلتُ: ادعُ الله فليوسِّع على أُمَّتِك؛ فإن فارس والروم وُسِّعَ عليهم، وأُعْطُوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله. وكان متَّكِئًا، فقال: “أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا“.

صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

عندما كان محمد صلى الله عليه وسلم في محاولته لكسب رؤساء قبيلة ( قريش ) وفي أثناء حديثه معهم حاول عبد الله بن أم مكتوم وهو (أعمى ) أن يسأل عن شيء مهم من أمور الإسلام فانصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فعاتب القرآن النبي محمد في سورة ( عبس ) لانصرافه عنه وصرف وجهه إلى صنديد الكفر رغبة منه في دخوله في الإسلام فاعتبر القرآن ذلك أنه لا حاجة له في تمني دخولهم الإسلام ولكن المسلمين الذين جاءوا إليك أولى بهذا الاهتمام ، وما يدريك يا محمد أن هذا الكافر سوف يزكى ويدخل في الإسلام إنه في علم الغيب والأمر موكل إلى الله .

ولقد حدثت واقعة أخرى قريبة من تلك عندما اتفق مبدئياً كفار قريش وصناديدها مع الرسول على أن يجعل لهم يوماً يجلسون معه فيه ويجعل للفقراء والعبيد يوم خاص بهم وكان هذا شرط لإيمانهم وقد كاد يميل قلب الرسول لهذا الاقتراح فعاتبه ربه على ذلك وطلب منه أن يترك هذا الاقتراح فالمسلمون سواسية كأسنان المشط وقال تعالى في هذا العتاب ( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) . وفي هاتين الحالتين لم يكتم النبي ما نزل إليه من الوحي وهذا دليل واضح على عظمته .
وصورة أخرى من عظمته : عندما سألته زوجته عائشة أم المؤمنين عن خديجة ألم يعوضك الله خيراً منها ؟ فأجابها : لا، فهي التي آمنت به وصدقته عندما كذبه الناس وعادوه ! فلم يستسلم للغيرة ولم يحاول أن يخدعها أو يجاملها . وهذا عظمته من صلى الله عليه وسلم .


وعندما خُيّرَ رسول الله في أن يكون نبينا ملكاً أو عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً لما في مقام العبودية من الشرف والتكريم فقال تعالى وهو ينسبه إلى نفسه : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يدل ذلك على رفضه اختيار الملك من قبل الله تعالى .
عرض عليه كفار قريش مرة المُلكَ والجاه والسلطان والمال والثروة والرياسة عليهم بل على العرب جميعاً في مقابل ترك الدعوة الإسلامية والرجوع إلى آلهتهم الضالة فقالوا قولتهم المشهورة : إن كنت تريد مالاً جمعنا لك المال وجعلناك أغنى رجلا فينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وجعلنا لك الأمر وإن كان بك مس من الجن أو مرض لا يشفى عالجناك حتى تشفى من هذا المرض .فرفض كل ذلك ورفض كل تلك الإغراءات الكذابة التي لا تغري إلا ضعاف القلوب وأصحاب العقول الفاسدة الذين يركنون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الآخرة وما فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة التي يذكرها التاريخ له بكل ما فيها من نور وضياء وهدى ورحمة قال لعمه أبو طالب يا عم والله لو جعلوا القمر عن يميني والشمس عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .

إنها قولة تقشعر لها الجلود وتخشع لها القلوب قولة رجل واثق من نصر ربه واثق ومؤمن بما يبلغ عن ربه من أن الله سينصر هذا الدين ويعلي رايته ولو كره الكافرون .

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:

فكان هذا النبي العظيم جديراً لأن يحظى بكل حب وبكل تقدير وبكل احترام وبكل تبجيل من جميع من اتبعوه وآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به وممن لم يؤمنوا به .
ومن صور عظمته ما روى ابن ماجه في سننه عن قيس بن أبي حازم : أن رجلاً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذته رعدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)
نعم فهذا التواضع هو من عظمة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

إعداد الطعام لأهل الميت :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم من رحمتهيرحم أقارب الميت في أمور قد يظنُّها الناس بسيطة، ولكنها تترك أثرًا طيبًا في النفوس، ومن ذلك إعداد الطعام لهم.

روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما فقال: لما جاء نعي جعفر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ

وهذا عكس ما اشتهر بين الناس من أنَّ أهل الميت هم الذين يصنعون طعامًا لزوَّارهم، بل إن صناعة أهل الميت للطعام للضيوف خلاف واضح للسنة، فقد قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: “كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة

عزة الرسول صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزًا في حياته قبل الإسلام وبعده، فقد كانت عزة نفسه تأبى عليه أن يسجد لحجر لا يضر ولا ينفع، كما كانت تمنعه من يأتي ما اعتاده قومه من الفواحش كالكذب والغش والخيانة والزنا وشرب الخمر.

عفو النبي صلى الله عليه وسلم:

ومن ينسى الموقف العظيم عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا فقال لأهلها بعد أن آذوه وعذبوه : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم . فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء .

عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن شواهد عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه انبهر الكثيرون أعداؤه قبل أصحابهبأخلاقه، فكانت سببًا في إسلام بعضهم، فلننظر إلى ملك عُمَان المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجُلَنْدى؛ الذي انبهر بأخلاقه ، فقال: “والله لقد دلَّني على هذا النبيِّ الأُمِّيِّ أنه لا يأْمُرُ بخير إلاَّ كان أوَّل آخذ به، ولا يَنْهَى عن شيء إلاَّ كان أوَّل تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي“.

ومن عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها متكاملة ومتكافئة؛ بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر من أخلاقه ، فكان صبره مثل شجاعته، وأمانته مثل كرمه، وصدقه مثل حلمه.. وهكذا لا نجد له خُلُقًا في موضعه من الحياة يزيد وينقص على خُلُق آخر في موضعه، وهذا التكافؤ الخُلُقِيّ لم تعرفه الحياة الواقعية لإنسان غير محمد ؛ لذلك قال الشاعر الألماني جوته: “بحثتُ في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد .صلى الله عليه وسلم

الكرم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم

صور كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، فيُروى عن سهل بن سعد، أنه قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها فَلَبِسَهَا، فرآها عليه رجلٌ من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فَاكْسُنِيهَا. فقال: “نَعَمْ“. فلمَّا قام النبي صلى الله عليه وسلم لاَمَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها ثم سألتَه إيَّاها، وقد عرفتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فيمنعه. فقال: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعلِّي أُكَفَّن فيها. وفي رواية قال سهل: فكانت كفنه.

فكان جوده وكرمه سببًا من أسباب إسلام الكثيرين؛ لأنه كان يُعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفقر، فعن أنس قال: “مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ

الشجاعة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

كانت هذه الشجاعة خُلقًا فطريًّا مزروعًا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نشأته الأولى ؛ فها هو ذا يشارك أعمامه في (حرب الْفِجَار) وهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره.

شجاعته في غزوة أحد :

وفي أحلك لحظات المسلمين شدَّة وانهزامهم أمام عدوِّهم في غزوة أُحُد نراه متماسكًا شجاعًا، مقاتلاً لزعماء الشرك، فقد أدركه أُبَيُّ بن خلف وهو يقول: أي محمد، لا نجوتُ إن نجوتَ. فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منَّا؟ فقال رسول الله: “دَعُوهُ“. فلمَّا دنا، تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصِّمَّة، فلمَّا أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشَعْراءَ عن ظهر البعير إذا انتفض بها، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارًا، فمات وهُمْ راجعون به إلى مكة

ولذلك يقول المقداد بن عمرو عن ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجاعته في غزوة أُحُد، قوله: “لا والذي بعثه بالحقِّ إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرًا واحدًا، إنه لفي وجه العدوِّ، وتثوب إليه طائفة من أصحابه مرَّة، وتُصرف عنه مرَّة، فربما رأيته قائمًا يرمي على قوسيه، ويرمي بالحجر، حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في عصابة صبروا معه

شجاعته يوم حنين :

أمَّا يوم حنين فقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع مَثَلٍ عرفته البشريَّة في الشجاعة ؛ وذلك حينما فرَّ الجيش من ساحة القتال، فنزل النبي من على بغلته ودعا واستنصر، وهو يُرَدِّد: “أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب، اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَفما رُئِي أَحد يومئذ كان أثبت منه، ولا أقرب للعدوِّ فقد وقف في وجههم أجمعين متحدِّيًا لهم، وأخذ كفًّا من حصًى وضرب وجوههم، وقال صلى الله عليه وسلم: “شَاهَتِ الْوُجُوهُ“. فما استطاع أحد أن يمسَّه بسوء

( معنى شاهت الوجوه أي قبحت )

حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته

لقد بلغ حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُمَّته حدًّا لا يتخيَّله أحد من البشر؛ فمن صور حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه منذ اللحظات الأُولى للدعوة وهو يأمر القلَّة المستضعفة في مكة بالهجرة للحبشة فِرارًا بدينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِي أَرْضُ صِدْقٍ؛ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ..”

وكثيرًا ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرِض عن عمل من الأعمال وهو مُقرَّب إلى قلبه، ومحبَّب إلى نفسهلا لشيء إلاَّ لخوفه أن يُفْرَض على أُمَّته، فيعنتهم ويشقّ عليهم؛ لذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَذِّر الأُمَّة من الذنوب، ويُوَضِّح خطرها على كيانها وقوَّتها مهما كانت الذنوب بسيطة في عين المسلم؛ فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ“. وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لَهُنَّ مَثَلاً: “كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا

كما خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُمَّته من الأئمة المضلِّين، الذين يقودونها إلى الهلاك والضياع، فيقول صلى الله عليه وسلم مخاطبًا أُمَّته: “إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ

غضب الرسول صلى الله عليه وسلم

ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الغضب تكشف لنا عن دقَّة وصف عائشة رضي الله عنها، فمن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد رضي الله عنهحين بعثه في سريّة، فقام بقتل رجلٍ بعد أن نطق بالشهادة وكان يظنُّ أنه إنما قالها خوفًا من القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب غضبًا شديدًا، وقال له: “أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، حتى قال أسامة رضي الله عنه: “فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ

أدبه وحسن عشرته :

إن من كمال خلق المرء حسن صحبته ومعاشرته لأهله ، وكمال أدبه في مخالطته لغيره ، وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في حسن الصحبة وجميل المعاشرة وأدب المخالطة وإليك هذه الأمثلة :
*
قال أنس بن مالك : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته ؟ ولا لشيىء تركته لم تركته ؟
*
ووصفه علي رضي الله عنه فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشره .
*
وقالت عائشة رضي الله عنها : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال : (( لبيك )) أي أجاب دعوته .
*
ووصفه ابن أبهي هالة وهو صحيح : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب ، ولا فحاش ، و عياب ، ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه . وكان يجيب من دعاه ، ويقبل الهدية ممن اهداه ، ولو كانت كراع شاه ويكافىء عليها .
*
وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))
*
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: “كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلقاً، أخرجه البخاري ومسلم

عدل النبي صلى الله عليه وسلم:

فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قِدحُ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غُزَيَّة وهو ناتئ من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق، فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد يا سواد، فعانقه سواد، وقبل بطنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فلم آمن القتل فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير .
إن هذا الرجل نجح في حياته واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه ، فقد صنع الأبطال إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً لنشر دين الله ونوره وتبليغه إلى الناس .

إن أعظم موقف يدل على عظمة الرجال الذين صنعهم في حياته هو موقفهم عند موته ، عندما قام أبو بكر غير متأثر بهذا الخبر فدخل على رسول الله بعد ما سمع بوفاته وخرج على المسلمين وقال أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ” . وقرأ قوله تعالى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ” ..
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ” ( الأحزاب : 21
ويمكننا الآن أن نستنتج لماذا قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح 4

حسن تعاملة مع اليهود والنصارى

قبل الرسول عليه الصّلاة والسّلام أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في داخل المدينة، وأقرّ لهم حقوقاً تحميهم، وتكفّل بتطبيقها مثل حق الحياة لهم، فلم يقتل يهودياً أو نصرانياً بسبب ديانته، وسمح لهم بحريّة اختيار الدين، ولم يُجبرهم على اعتناق الإسلام. قيل إنّه أتى رجل من الأنصار، وله أبناء تنصّروا قبل بعثة رسول عليه الصّلاة والسّلام، فدعاهم أباهم للإسلام، ولكنّهم رفضوا واختصموا إلى الرسول عليه الصّلاة والسّلام، فقال الرجل: (يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟)، فأنزل الله سبحانه وتعالى تلك الآية: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).[البقرة 256 ]

كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يُعاملهم بعدل، ويرفع الظّلم عنهم، ويدفع الديّة لهم، ولو كان على حساب المسلمين. سرق رجل مسلم أنصاري درعاً من جارٍ له مسلم، وخبّأها عند رجل من اليهود، ثم اتّهم صاحب الدّرع اليهودي بسرقتها، وكاد الّرسول عليه الصّلاة والسّلام أن يصدّقهم بسبب الدلائل، ويعاقب اليهودي، فأنزل الله تعالى هذه الآيات من سورة النساء: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) إلى قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)،[النساء 105- 112] ثم قام الرسول عليه الصّلاة والسّلام أمام الملأ، وأعلن براءة اليهودي، وأنّ السّارق مسلم.
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يتواضع لليهود والنصارى، ويُخالطهم، ويتحاور، ويتناقش معهم حتى لو كانوا يقصدون مجادلته ونعته فقط، وسمح لهم الرسول عليه الصّلاة والسّلام بإصدار قوانينهم حسب تعاليم دينهم، ولم يُجبرهم على الالتزام بتعاليم الإسلامي، إلاّ إذا طلبوا محاكمة الرسول عليه الصّلاة والسّلام فكان يحكم بينهم بتعاليم الإسلام.

عندما قدم وفد نجران وكانوا من النصارى دخلوا على الرسول عليه الصّلاة والسّلام واجتمعوا معه في مسجده، وعندما حان وقت صلاتهم قاموا يصلّون في المسجد، فأراد الصحابة منعهم، إلاّ أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام قال: (دعوهم )

رقعة العهد والأمان

هذه الرقعة عبارة عن رسالة من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بتاريخ 630 م إلى الكنيسة حمّلها رسوله الإمام علي ابن أبي طالب “كرم الله وجهه ” ويتعهد فيها بحماية المسلمين للمسيحيين ورعايتهم وضمان حرية العبادة لهم.
وقد كُتبت بيد الامام علي (ع) في مسجد النبي سنة 628- 629 م (السنة السابعة للهجرة) وشهد بهذا العهد ووقع عليه مجموعة من الصحابة هم سيدنا أبو بكر وعثمان وعمر والعباس وطلحة وابن مسعود وزيد بن ثابت والزبير بن العوام .

وتظهر الوثيقة طبعة يد النبي محمـد صلى الله عليه وسلم على الرسالة للتوثيق.

ونصها كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً كتبه عهدا للنصارى ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها فصيحها وعجميها معروفها ومجهولها كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين.
إننا معهم قريبا كانوا أم بعيدا، أنا وعباد الله والأنصار والأتباع للدفاع عنهم، ووالله لأمنع كل ما لا يرضيهم فلا إكراه عليهم ولا يُزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم و لا يُغيّر أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يُهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم
هم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه
لا يُهدم لهم بيت ولا يُباع لهم سكن
ولا يدخل شئ من كنائسهم في بناء مسجد
ولا تؤخذ منهم جزية ولا خراج ولا عشار ولا يُلزمون بالخروج في حرب..

ولا يُجادَلون إلا بالتي هي أحسن ويُخفض لهم جناح الرحمة حيثما كانوا وحيثما حلوا

ويُكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا ويعاونوا على مرمّة بيعهم وصوامعهم

ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد ومن يحتمي بهم يدخل في ذمتي وفي أماني

فمن فعل شئ من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين.
————-

ومازال الرهبان في دير سانت كاترين يحتفظون في مكتبتهم برقعة العهد والأمان التي جاءتهم من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وسط الآلاف من أندر المخطوطات المحفوظة بهذا الدير الأثري العتيق
وقد بني رهبان الدير مسجدأ للمسلمين بجوار الدير
ليكون سبيل راحة لطريق الحجاج الماريين

العهدة المحمدية

0 تعليقات

اكتب رد

XHTML: تستطيع استخدام تلك السيمات: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>