ذكاء أياس بن معاوية المزني

إياس بن معاوية المزني

أحدِ أذكياءِِ الدنيا، وأعجوبةٍ من أعاجيب الدهر، وعَلَمٍ من أعلامِ أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، ضربَ المثل بذكائه وفراسته، وحسنِ قضائه، فطبَّقت شهرتهُ الآفاق، على الرغمِ من كونهِ محاطاً بأعلامٍ مشهورينَ في عصره، أمثالِ الإمامِ الحسن البصري، وابن سيرين، والأعمش. وكان في زمنِ الحجاج، ثم الخليفةِ الراشد عمر بن عبدالعزيز، رحمهم الله جميعاً.
إنه القاضي العادل، والعالمُ الجليل إياس بن معاوية المزني، الذي بلغَ من ذكائه أن يقول: إني أحدِّث الناسَ بنصفِ عقلي!

 

هو تابعي ولد سنة 46 هـ بنجد وانتقل الى البصرة عرف عنه الذكاء الشديد حتى قال عنه ابوتمام:((إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس)) وسيرة حياته مليئه بقصص الذكاء والفطنه ونذكر لكم بعضها:
لما ولي إياس القضاء ظهرت له فيه مواقف تدل على فرط ذكائه…… وسعة حيلته،وقدرته الفذة في الكشف عن الحقائق.

 

من ذلك أن رجلين تقاضيا عنده,فادعى أحدهما أنه أودع لدى صاحبه مالا….فلما طلبه منه جحده…….فسأل إياس الرجل المدعى عليه عن أمر الوديعة،فأنكرها وقال: أن كانت لصاحبي بينة فليأت بها….وإلا فليس له علي إلا اليمين.فلما خاف إياس أن يأكل الرجل المال بيمينه،التفت إلى المودع وقال له: في أي مكان أودعته المال؟..
قال:في مكان كذا….
فقال:وماذا يوجد في ذلك المكان؟..
قال:شجرة كبيرة جلسنا تحتها ،وتناولنا الطعام في ظلها.. ولما هممنا بالانصراف دفعت إليه المال.
فقال له إياس:انطلق إلى المكان الذي فيه الشجرة،فلعلك إذا أتيتها ذكرتك أين وضعت مالك،ونبهتك إلى ما فعلته به…….. ثم عد إلي لتخبرني بما رأيت.
فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدعي عليه: اجلس إلى أن يجيء صاحبك…..فجلس.
ثم إلتفت إياس إلى من عنده من المتقاضين،وطفق يقضي بينهم،وهو يرقب الرجل بطرف خفي….حتى إذا رآه قدسكن واطمأن التفت إليه وبادره قائلا: أتقدر أن صاحبك قد بلغ الموضع الذي أودعك فيه المال؟.
فقال الرجل من غير رويه :كلا….إنه بعيد من هنا.
فقال له إياس: يا عدو الله تجحد المال وتعرف المكان الذي أخذته فيه؟! والله إنك لخائن.
فبهت الرجل وأقر بخيانته… فحبسه حتى جاء صاحبه، وأمره برد وديعته إليه.

 

ومن ذلك ما روي من أن رجلين اختصما إليه في قطيفتين مما يوضع على الرأس ويسدل على لكتفين…..إحداهما خضراء جديدة ثمينه،والأخرى حمراء بالية. فقال المدعي: نزلت إلى الحوض لأغتسل،ووضعت قطيفتي الخضراء مع ثيابي على حافة الحوض وجاء خصمي فوضع قطيفته الحمراء إلى جانب قطيفتي ونزل إلى الحوض وخرج قبلي…… فلبس ثيابه وأخذ قطيفتي فألقاها على رأسه وكتفيه ومضى بها. فخرجت على أثره وتبعته وطالبته بقطيفتي فزعم أنها له…. فقال إياس للرجل المدعى عليه: وما تقول أنت؟!
فقال: هي قطيفتي وهي في يدي.
فقال إياس المدعي :ألك بينة؟
فقال: كلا.
فقال لحاجبه: أحضر لي مشطا فأحضر له….
فمشط شعر رأس الرجلين فخرج من رأس أحدهما زغب أحمر من نثار صوف القطيفة فأمر له بالقطيفة الحمراء. وخرج من رأس الآخر زغب أخضر .. فقضى بالقطيفة الحمراء لصاحب الزغب الأحمر ، وبالقطيفة الخضراء لصاحب الزغب الأخضر .

 

روى عنه أنه كان يتعلم الحساب في كتاب لرجل يهودي من أهل الذمة … فاجتمع عند المعلم أصحابه من اليهود، وجعلوا يتكلمون في أمور الدين وهو ينصت إليهم من حيث لا يدرون .. فقال المعلم لأصحابه: ألا تعجبون للمسلمين، غهم يزعمون أنهم يأكلون في الجنة ولا يتغوطون!!
فالتفت إليه أياس وقال:أتأذن لي يا معلم بالكلام فيما تخوضون فيه؟
فقال المعلم: نعم .
فقال الفتى : أكل ما يؤكل في الدنيا يخرج غائطا؟
فقال المعلم : لا
فقال الفتى : فأين يذهب الذي لا يخرج ؟
فقال المعلم: يذهب غذاء للجسم .
فقال الفتى: فما وجه الاستنكار منكم إذا كان يذهب بعض ما نأكله في الدنيا غذاء، أن يذهب كله في الجنة في الغذاء؟
فألوى المعلم يده وقال له : قاتلك الله من فتى .

 

ومن أخبار فطنته وذكائه أنه كان في ((الكوفة)) رجل يظهر للناس الصلاح،ويبدي لهم الورع والتقى….. حتى كثر الثناء عليه،واتخذه بعض الناس أمينا لهم يأتمنونه على مالهم إذا سافروا…..ويجعلونه وصيا على أولادهم إذا أحسوا بدنو الأجل. فأتاه رجل واستودعه مالا،ولما احتاج الرجل لماله طلبه منه فأنكره. فمضى إلى إياس وشكا له الرجل،فقال للمشتكي: أعلم صاحبك أنك تريد أن تأتيني؟
قال:لا.
فقال له:انصرف وعد إلي غدا…….
ثم أرسل إياس على الرجل المؤتمن وقال له: لقد اجتمع لدي مال كثير لأيتام لا كافل لهم وقد رأيت أن أودعه
لديك وأن أجعلك وصيا عليهم،فهل منزلك حصين ووقتك متسع؟
فقال:نعم أيها قاضي.
فقال:تعال إلي بعد غد وأعد موضعا للمال….. وأحضر معك حمالين يحملونه….
وفي اليوم التالي جاء الرجل المشتكي؛فقال له إياس: انطلق إلى صاحبك واطلب منه المال،فإن أنكره فقل له: أشكوك إلى القاضي.
فأتاه الرجل فطلب منه ماله،فامتنع عن إعطائه له وجحده. فقال له:إذا أشكوك إلى القاضي.
فلما سمع ذلك منه دفع إليه المال،وطيب خاطره.
فرجع الرجل إلى إلياس وقال: لقد أعطاني صاحبي حقي و جزاك الله خيرا.
ثم جاء الرجل المؤتمن إلى إياس في موعده ومعه الحمالون،فزجره وأشهره وقال له: بئس الرجل أنت يا عدو الله،لقد جعلت الدين مصيدة للدنيا…….

 

لكن إياس مع شدة ذكائه،وقوة عارضته وسرعة بديهته ….ربما صادف من يقارعه الحجة بالحجة،ويقطع عليه سبل الكلام ويفحمه….. حدث عن نفسه قال: ما غلبني أحد قط سوى رجل واحد،وذلك أني كنت في مجلس
القضاء بــ((البصرة))فدخل علي رجل،فشهد عندي أن البستان الفلاني هو ملك فلان،وحدده لي…….
فأردت أن أمتحن شهادته. فقلت له:وكم عدد شجر البستان؟.
فأطرق قليلا،ثم رفع رأسه وقال: منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس؟.
فقلت:منذ كذا سنة.
فقال:كم عدد الخشب سقف هذا المجلس؟.
فلم أعرف، وقلت: الحق معك .. ثم أجزت شهادته………

 

ولما بلغ إياس بن معاوية المزني السادسة والسبعين من عمره،رأى نفسه وأباه في المنام راكبين على فرسين،فجريا معا…..فلم يسبق أباه ولم يسبقه أبوه، وكان والده قد مات عن ست وسبعين سنة. وفي ذات ليلة أوى إياس وقال لأهله: أتدرون أي ليلة هذه؟.
قالوا:لا.
قال: في هذه الليلة استكمل أبي عمره.
فلما أصبحوا، وجدوه ميتا.

هذه بعض من قصص ذكاء إياس المزني رحمه الله

0 تعليقات

اكتب رد

XHTML: تستطيع استخدام تلك السيمات: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>